Admin Admin
عدد المساهمات : 212 تاريخ التسجيل : 01/02/2008 العمر : 35
| موضوع: بخلاء الجاحظ توثيق للسرد ونقد للمجتمع الثلاثاء 29 أبريل 2008 - 8:31 | |
| بخلاء الجاحظ توثيق للسرد ونقد للمجتمع لا يخلو مجمتع ما من تداخل في وجوده و تصارع مصالحه الاجتماعية و الثقافية و الفكرية و التاريخية ، كتلك التي حدثت في العصر العباسي أيام الامتزاج العرقي و تداخل الأجناس البشرية من الشرق و الغرب ، إذ امتد الزحف لأكثر من ستة قرون متوالية ، تشبعت الحياة بمختلف القيم و العادات التقاليد و مختلف الممارسات الوافدة من هنا و هناك و تغيرت معالم الحضارة الجديدة بحكم الأجيال الجديدة و ما تحمله من مزج في نفوسهم و أرواحهم و عقولهم ، انعكس على حياتهم بشكل عام و صار جيل المولدين متميزا بما يحمله من هذا التنوع الصارخ في القيم و إنتاجهم الإبداعي فعكف المثقفون و الأدباء و الكتاب و كل من له باع في حياة هذه الشعوب القزحية ، طالت سيرهم العامة و الخاصة ، يكتب عن حياة الملوك و الحكام و الخلفاء و ذوي السلطان من العرب و العجم ، و كان الدور الأساس لهؤلاء الكتاب و الشعراء بمختلف مشاربهم التفطن لكل ما يجري في حياتهم و عن غيرهم ، بين الولاء و المعارضة ، سخط و رضا ، و كان لابد أن تظهر أعرض هذه المواقف و إن اختلفت أو تعارضت في الساحة ، فظواهر المجتمع الجديد كثيرة و متنوعة و صبغت بصبغة مستحدثة ، وإن كانت قد راقت للبعض ، فهي لم ترق لكثير من الفئات الاجتماعية و عبروا عنها بسخط واضح و انتقادها بشكل واضح و حاد ، كالذي نلاحظه في كتب هذا العصر و ما عبر عنه أمثال ابن الرومي عن الشعراء و الجاحظ عن الكتاب ،و كان تعبيرا موجها بطريقة اعتراها السخط و السخرية في شعر ابن الرومي و ليس هذا مقامه ، و ما ورد في كتب الجاحظ و هي أقواها على مستوى السرد كما هو واضح في كتاب البخلاء كأحد أهم الكتب التي صنعتها الحضارة العربية و الإسلامية في هذه القرون المتعاقبة و تكوّن في ظلها مجتمع قوي استطاع أن يؤصّل مفاهيم جديدة للحياة و إرساء قيم أخرى بديلة لكثير مما كانت تمارسه مختلف الشعوب العربية و غير العربية ، فما عرف عنها من كرم كما شاع على أيام العرب كقيمة اجتماعية ذاع صيته على أيدي جهابذة الشعر و فحوله القدامى و المحدثين ، و لم يرد في قاموسهم بخل أو بخلاء إلا ما جاء نادرا و لندرته أصبح مضرب أمثال ، دليل على مقت المجمع يومئذ لهذه الظاهرة السلبية في نظرهم ...بينما في المجتمع الجديد و بعد حدوث ذلك التغير كان تغيرا في القيم أيضا ، مما جعل الجاحظ و أمثاله الوقوف لها بالمرصاد و محاربة هذه الظواهر التي تفشت و عمت ، غطى الجاحظ بكتابه وبأسلوب ساخر ما حدث و عبر عن تذمره مما يمارس من تفاهات. و حديثنا اليوم عن كتاب البخلاء للجاحظ , ذلك الكتاب الذي صور فيه الجاحظ البخلاء الذين قابلهم وتعرفهم في بيئته الخاصة خاصة في بلدة مرو عاصمة خراسان , وقد صور الجاحظ البخلاء تصويراً واقعياً حسياً نفسياً فكاهياً , فأبرز لنا حركاتهم ونظراتهم القلقة أو المطمئنة ونزواتهم النفسية، وفضح أسرارهم وخفايا منازلهم واطلعنا على مختلف أحاديثهم، وأرانا نفسياتهم وأحوالهم جميعاً، فالكتاب دراسة اجتماعية تربوية نفسية اقتصادية لهذا الصنف من الناس يوثق لهذه الفئة بشكل ساخر و هزلي ، تحرى فيه الأبعاد الإجتماعية الحقيقة معبرا عن سخط الأغلبية لما يحدث في مجتمع كانت تحركه أقوى القيم عملا و دفاعا ، و الكتاب يعد مصدر توثيق مهم جدا للأجيال المتوالية سواء على مستوى التربية أو المستوى الإبداعي و في هذه الحالة من الممكن أن نعتبر كتاب الجاحظ (البخلاء) من أبرز كتب التوثيق السردية في تاريخ السرد العربي ، له أهمية علمية حيث يكشف لنا عن نفوس البشر وطبائعهم وسلوكهم علاوة على احتوائه على العديد من أسماء الأعلام والمشاهير والمغمورين وكذلك أسماء البلدان والأماكن وصفات أهلها والعديد من أبيات الشعر والأحاديث والآثار فالكتاب موسوعة علمية أدبية اجتماعية جغرافية تاريخية اجتمعت فيه شروط التوثيق و إن انتابها شيء من الخيال عكسته شخصية الجاحظ المتميزة في أسلوب كتابته . | |
|